مقدمة
: من نتائج الاكتشافات الجغرافية انتقال مركز التجارة العالمية من البحر
المتوسط إلى المحيط الأطلنتي مما أثر على الوضعية الاقتصادية في العالم الإسلامي.
فما هي مظاهر
هذا التحول؟ و ما آثاره الاقتصادية في العالم الإسلامي؟ ولماذا تقلصت وركد الإنتاج
في العالم الإسلامي؟ و ما هو الاتجاه الذي سار فيه التطور الاقتصادي في العالم
الإسلامي مقارنة مع نظيره الأوربي؟
تحول طرق التجارة العالمية و انعكاساته
الاقتصادية في العالم الإسلامي :
1
– عرفت طرق التجارة العالمية تحولا كبيرا خلال القرنين 15 و 16م :
* في العصر
الوسيط كان العالم الإسلامي يقوم بدور الوساطة التجارية بين الشرق الأقصى وإفريقيا
السوداء من جهة و القارة الأوربية من جهة أخرى: حيث كان يتحكم في الطرق التجارية
البرية و البحرية محتكرا البضائع التي كانت تروج في التجارة العالمية مثل التوابل
والمعادن الثمينة العاج والعطور و المنسوجات و الخشب و الحديد ، بالإضافة إلى
العبيد ، و متوفرا على مراكز تجارية كبيرة منها بغداد و دمشق و القاهرة وفاس
.
* مع بداية
الحقبة الحديثة تمت الاكتشافات الجغرافية التي مكنت الأوربيين ( خاصة الإيبيريين )
من إقامة المستعمرات في القارة الأمريكية و سواحل إفريقيا و آسيا، و تنشيط
التجارة معها. و بالتالي انتقل ثقل التجارة العالمية من المجال المتوسطي إلى
المجال الأطلنتي ، وتحولت الوساطة التجارية لفائدة أوربا.
2
– أثر تحول مركز التجارة العالمية نحو المحيط الأطلنتي على اقتصاد العالم
الإسلامي:
*في الجهة
الشرقية من العالم الإسلامي: أدى التدخل الأوربي في المحيط الهندي إلى هبوط
كبير في مداخيل التجارة بمختلف مناطق الإمبراطورية العثمانية خاصة في مصر و الشام
.
* في الجهة
الغربية من العالم الإسلامي : أخذت السفن البرتغالية ترسو في الموانئ المغربية
القريبة من مناجم الذهب لتقايض الأفارقة بالبضائع المغربية التي تستولي عليها من
المناطق المحتلة بسوس و دكالة . في نفس الوقت أقام البرتغاليون مبادلات تجارية عبر
موانئ إفريقيا الغربية مع الأفارقة لجلب الذهب و الرقيق. وبالتالي عانى المغرب من
تراجع مداخيل التجارة الصحراوية .
أسباب تقلص مداخيل الدولة و ركود الإنتاج في العالم الإسلامي:
1
– كان للحروب و الكوارث الطبيعية دور هام في تراجع مداخيل الدول و ركود الإنتاج في
العالم الإسلامي ( المغرب نموذجا ):
* شهد المغرب
في القرن 16 مجموعة من الحروب تعددت أطرافها: الوطاسيون، السعديون، الحركات
المعارضة،البرتغال، السكان المغاربة.
* عرف المغرب
في نفس القرن كوراث طبيعية منها الجفاف والمجاعات و الأوبئة و الفيضانات ، و
انتشار الجراد ، و حدوث الزلازل .
* من نتائج هذه
الحروب و الكوارث الطبيعية : حدوث نزيف ديمغرافي وهجرات سكانية، انتشار أعمال
النهب و انعدام الأمن، غلاء الأسعار، تراجع الاستهلاك، ركود الإنتاج الفلاحي و
المبادلات التجارية، تقلص مداخيل المخزن الجبائية و اضطراب سلطته .
2
– ساهمت عوامل اخرى في تقلص مداخيل الدولة و تراجع الإنتاج في العالم الإسلامي:
* تراجعت الحرف
التقليدية في العالم الإسلامي أمام منافسة البضائع الأوربية .
* اكتفى
العثمانيون بمراقبة التجارة البرية ، تاركين التجارة البحرية تحت تصرف تام
لليونانيين و اليهود و الأرمن ثم الفرنسيين.
* منح السلطان
العثماني للجيش الإنكشاري سلطة جباية الضرائب .
* اتخذ الملوك
الوطاسيون تدابير جبرية في استخلاص الضرائب، مقابل إنفاق إيراداتها حسب هواهم .
نقط
الاختلاف بين التطور الاقتصادي في كل من العالم الإسلامي و الغرب الأوربي:
1
– تراجع اقتصاد العالم الإسلامي خلال القرنين 15 و 16م :
* ضعف النشاط
التجاري في العالم الإسلامي ، وتقلص دور النقد في المعاملات .
* أصبح
الاقتصاد في البلدان الإسلامي يعتمد على الفلاحة التقليدية التي تهيمن عليها
الطبقة الإقطاعية .
2
– تصاعد اقتصاد الغرب الأوربي خلال القرنين 15 و 16م :
* أصبحت المدن
الأوربية مراكز تجارية و مالية : حيث تزايد الرواج التجاري ونما دور الأبناك في
الأداء و تقديم القروض
* استثمر
التجار أموالهم في بعض الصناعات، فظهرت المانيفاكتورات . وشكل التجار و المرابون
بورجوازية تجارية قوية .
خاتمة
: شكلت هذه التطورات الاقتصادية خلال القرنين 15 و 16م ، بداية تراجع نفوذ
العالم الإسلامي و تصاعد النفوذ الأوربي . و في القرنين 17 و 18م تأكد اختلال
التوازن لصالح الطرف الأخير.