العولمة والهوية الثقافية
مقدمة
تعرف مجموعة من الدول الرأسمالية
المتحكمة في الاقتصاد العالمي نموا كبيرا جعلها تبحث عن مصادر و أسواق
جديدة مما يجعل حدودها الاقتصادية يمتد إلى ربط مجموعة من العلاقات مع دول
نامية لكن الجدل الذي يفرض نفسه و بقوة هو أن هذه الدول المتطورة على جميع
المستويات الفكرية والثقافية والعلمية دخلت في هوية الدول الأخرى إلا أنها
حافظت على هويتها الثقافية خاصة و أن العولمة لم تقتصر فقط على البعد
المالي والاقتصادي بل تعدت ذلك إلى بعد حيوي ثقافي متمثل في مجموع
التقاليد والمعتقدات والقيم كما أن العولمة لا تعترف بالحدود الجغرافية لأي بلد
بل جعلت من العالم قرية صغيرة. فهل تلقى الهوية الثقافية للدول الأخرى
الاحترام اللائق من الدول الرأسمالية التي لا يهمها إلا الزيادة في الرأسمال
والربح ؟ وما مظاهر وآليات عولمة الثقافة ؟ وهل لقيت هذه المظاهر قبول من طرف
الدول النامية ؟
تحديد مفهومي الثقافة والهوية الثقافية:
تحديد مفهومي الثقافة والهوية الثقافية:
1ـ تحديد مفهوم الثقافة:
إن مفهوم الثقافة من المفاهيم التي
لم تقتصر على تعريفا واحدا وموحدا بل أعطيت لها تعاريف متعددة كان
أبرزها ذلك الذي عرّفها على أنها جميع السمات الروحية والفكرية والقومية والمادية
والعاطفية التي تميز جماعة عن أخرى، وفي شموليتها فهي طرائق الحياة
والتفكير والتقاليد والمعتقدات والنون والآداب والقيم والبعد التاريخي
باعتباره عامل جوهري في مفهوم الثقافة. وليس هناك ثقافة واحدة وإنما تسود
أنواع وأشكال ثقافية منها ما يميل إلى الانغلاق و الانعزال،ومنها ما
يسعى إلى الانفتاح والانتشار.
2ـ مفهوم الهوية الثقافية:
إن مفهوم الهوية الثقافية يأتي من جهتين، الأولى خارجية بدأت مع كثرة الحديث في الآونة الأخيرة عن العولمة وتعدد تعريفاتها على مستوى كل المجالات المعروفة وما تمثله العولمة من محاولة لتنظيم أو إعداد نظام عالمي جديد بكل ما يترتب عليه من هذا النظام من سلبيات تطول في معظمها بلدان العالم الثالث. أما الجهة الثانية التي تأتي منها أهمية موضوع الهوية، فهي داخلية وتتمثل في ندرة المقاربات العلمية والموضوعية بهذا الموضوع خاصة في دول العالم الثالث إضافة لما يعرفه البعض منا في العلم العربي عندما يضع مفهوم الهوية في تناقض مع الحداثة فتصبح الهوية عندهم المرادف للولاء القبلي وكل ما من شأنه أن يوقف عجلة الحداثة التي نحن في أشد الحاجة إليها كي نفيق من كبوتنا ونلحق بركب التقدم.
==لا تكتمل الهوية الثقافية إلا إذا كانت مرجعيتها جماع الوطن والأمة والدولة، الوطن بوصفه الأرض،الأمة بوصفها النسب الروحي الذي تنسجه الثقافة المشتركة، الدولة التي بوصفها التجسيد القانوني لوحدة الوطن والأمة، وكل مس بواحدة من هذه هو مس بالهوية الثقافية.
علاقة العولمة والهوية الثقافية:
قبل الدخول في شرح العلاقة بين العولمة والهوية الثقافة لا بد من سرد أهم خصائص كل منهما. إن أبرز خصوصية تنفرد بها العولمة كونها تسعى إلى خلق نظام عالمي موحد لا يقبل الخصوصيات ولا التميزات فهي مذهب واحد ونهائي على الصعيد العالمي بينما تتميز الهوية الثقافية بخصائص قد تكون في مجملها معاكسة لخصائص العولمة لكونها تذهب إلى التفرد والتعدد والاختلاف عكس العولمة التي تنادي إلى الوحدة ويمكن أن نرجع الهوية الثقافية إلى ثلاث نماذج من الهويات الثقافية: هوية فردية داخل القبيلة أو الطائفة أو الحزب تدافع عن الاستقلالية والتميز الفردي ثم هناك هوية جماعية تدافع عن الخصوصيات المكونة للجماعة، وأخيرا هناك هوية قومية أو وطنية تفتخر بعناصرها الحضرية والثقافية المميزة لها عن باقي الأمم والقوميات الأخرى، وانطلاقا من هذه الخصائص يمكن تحديد العلاقة بين العولمة والهوية الثقافية في التنافر والتصادم والصراع إذ تسعى العولمة إلي خلق وحدة ومنظومة متكاملة، في حين تدافع الهوية عن التنوع والتعدد. كما نجد العولمة تهدف إلى القضاء على الحدود والخصوصيات المختلفة بينما الهوية تسعى إلى الاعتراف بعالم الاختلافات وترفض الذوبان، وباختصار فالعولمة تبحث عن العام والشامل بينما الهوية هي انتقال من العام إلى الخاص ومن الشامل إلى المحدود.
بعض آليات ومظاهر عولمة الثقافة:
لعل أبرز ما يجسد تأثير العولمة على ثقافات المجتمعات الأخرى هو الانتشار الواسع والكبير لشركة "كوكا كولا" ولمطاعم "الهامبورغر" "والماكدونالدز" هذه الأخيرة التي تعتبر واحدة من أكبر المطاعم التجارية الأمريكية وهي رمز الإمبريالية الرأسمالية الأمريكية والتي ظهرت لأول مرة في ولاية كاليفورنيا سنة 1940 على يد الأخوين ديك وموريس لكن الانطلاق الحقيقي لهذه الشركة كان على يد روي كروك الذي اشترى المطاعم الصغيرة لماكدونالدز من الأخوين وسجل الشركة كعلامة تجارية صاعدة. ويعتبر عام 1955 هو الانطلاق الرسمي لهذه الشركة حيث بلغ عدد فروعها في الولايات المتحدة في أواسط ستينيات القرن 20 نحو 200 فرع ثم توسعت لاحقا إلى حوالي 500 فرع، وفي أواخر الستينيات بدأ الانتشار العالمي لهذه المطاعم بعد الحملة الإعلانية للترويج التي حملت شعار القرص الذهبي في إشارة إلى الهمبرغر وبعدها بدأت الشركة تخاطب عقول الأطفال عبر شخصية المهرج الضاحك رونالد ماكدونالدز الذي احتل المرتبة الثانية من حيث الشهرة، وتأتي الدول العربية في المرتبة الأولى من حيث الانتشار لاسيما في الفترة الأخيرة . وتشير التقارير الأخيرة إلى أن ماكدونالدز تستقطب في الوقت الحالي حوالي 50 مليون زبون يوميا في مطاعمها البالغ عددها أكثر من 30 ألفا في أكثر من 120 بلدا بالعالم، كما احتلت حسب أحدث التقارير الاقتصادية المرتبة الثانية والعشرين ضمن قائمة الشركات الخمسمائة الأقوى. فماكدونالدز تقدم وجبات سريعة لا تتيح للزبائن الجلوس لفترات طويلة بل تفرض عليهم الشراء والذهاب سريعا، ومن هنا انتقلت من كونها نظاما لبيع الطعام السريع إلى نمط حياة وذلك من خلال نظامها الذي قضى على العلاقات البشرية التي لم تعد بين الإنسان وأخيه بمفهوم التفاعل المباشر بل هي محكومة بقضايا مادية محسوبة مما تسبب في اختفاء الحميمية في العلاقات كما اختفت أي قيمة شخصية بفكرة المطاعم التي كان الناس يجلسون فيها ويتفاعلون، كما فرضت كذلك على عمالها عدم تكوين صداقات مع الزبائن وحتى فيما بينهم بفعل نظام الخدمة الذاتية. ويرى منتقدو ماكدونالدز أن هذه الشركة العملاقة تمارس أكبر عملية خداع في التاريخ المعاصر فهي تروج طوال الوقت أنها تقدم أكبر كمية طعام بأبخس الأسعار لكنها عمليا تبيع تلك المنتجات بأسعار مرتفعة قياسا لما تحصل عليه من سلع أولية غذائية رخيصة في الدول ثم تبيعها بأسعار مضاعفة بعد تصنيعها.
كما نجد كذلك وسائل الاتصال والإعلام ساهمت بشكل كبير في انتشار العولمة في المجال الثقافي وتتجلى هذه المساهمة في القنوات التلفزيونية والفضائية التي بواسطتها يتم بث أفلام ومسلسلات وموسيقى تمثل سلوكيات العنف والجنس بشكل إباحي يتناقض مع الحشمة والعفة في المجتمعات العربية المحافظة. وأيضا اللغات الأجنبية خاصة الفرنسية والإنجليزية ساهمت بدورها في نشر عولمة الثقافة حيث أصبحت هذه اللغات مهيمنة في التواصل اليومي بين فئات المجتمع في البيت والشارع والإدارات وغيرها، كما تزايدت محاولات نشر قيم الفردانية في العلاقات الأسرية، وطغيان ثقافة الاستهلاك الذي يتواصل في تنوعه و إغراءاته.
بعض ردود الفعل اتجاه عولمة الثقافة:
في العالم العربي تتشكل صورة تنوع فسيفسائي فهو يضم مجموعة من الثقافات و اللغات والأعراف المتعددة والمتنوعة غير أن ثمة قيم ومثل عليا تتوحد حولها هذه الأمم و الشعوب وتشكل بالنسبة لها إرثا مشتركا ينبغي حمايته والدفاع عنه، لقد أصبحت جهود البلدان اليوم تتجه نحو خلق تنمية مستدامة تضمن لجميع الشعوب حياة آمنة في جو من الأخوة والانسجام، وذلك من خلال استغلال توجيه التنوع الثقافي لصالح جهود التنمية ومحاربة الفقر و الأوبئة التي تجتاح مناطق عديدة من العالم. إن التنوع داخل المجتمع الواحد يمكن أن يستغل كحافز للتنمية والاستقرار إذا ما كرست الجهود الحكومية وغير الحكومية لذلك، وهو ما يمكن أن يحدث عن طريق خلق برنامج و أنشطة مهتمة بهذا المجال. العالم العربي والإسلامي أصبح ينظر إلى العولمة على أساس أنها أداة للهيمنة والغطرسة وسيطرة القوي على الضعيف وابتلاع السريع للبطيء. فليس الانكماش و الانطواء على الذات هو الوقاية من العولمة بل يمكن التعامل مع العولمة على أنها تطور هائل في التقنيات ووسائل المعرفة و أن التطور ليس موجه ضدنا بالضرورة و إنما هو لصالحنا إن نحن استخدمناه الاستخدام السليم الذي يمكننا من الحفاظ على هويتنا الثقافية في ظل تعاطي إيجابي مع العالم والمستجدات الدولية في هذا المجال.
خاتمة:
إن الدول النامية والتي تعتبر الدول العربية والإسلامية واحدة منها، لا يمكنها أن تمنع العولمة الثقافية من الانتشار، لأنها ظاهرة واقعية تفرض نفسها بحكم النفوذ السياسي والضغط الاقتصادي والتغلغل المعلوماتي والإعلامي التي يمارسها النظام العالمي الجديد، لكن تستطيع أن تتحكم في الآثار السلبية لهذه العولمة، إذ بذلت جهودا مضاعفة للخروج من مرحلة التخلف إلى مرحلة التقدم في المجالات كلها وليس فحسب في مجال واحد نظرا للترابط بين عناصر التنمية الشاملة ومكوناتها.
2ـ مفهوم الهوية الثقافية:
إن مفهوم الهوية الثقافية يأتي من جهتين، الأولى خارجية بدأت مع كثرة الحديث في الآونة الأخيرة عن العولمة وتعدد تعريفاتها على مستوى كل المجالات المعروفة وما تمثله العولمة من محاولة لتنظيم أو إعداد نظام عالمي جديد بكل ما يترتب عليه من هذا النظام من سلبيات تطول في معظمها بلدان العالم الثالث. أما الجهة الثانية التي تأتي منها أهمية موضوع الهوية، فهي داخلية وتتمثل في ندرة المقاربات العلمية والموضوعية بهذا الموضوع خاصة في دول العالم الثالث إضافة لما يعرفه البعض منا في العلم العربي عندما يضع مفهوم الهوية في تناقض مع الحداثة فتصبح الهوية عندهم المرادف للولاء القبلي وكل ما من شأنه أن يوقف عجلة الحداثة التي نحن في أشد الحاجة إليها كي نفيق من كبوتنا ونلحق بركب التقدم.
==لا تكتمل الهوية الثقافية إلا إذا كانت مرجعيتها جماع الوطن والأمة والدولة، الوطن بوصفه الأرض،الأمة بوصفها النسب الروحي الذي تنسجه الثقافة المشتركة، الدولة التي بوصفها التجسيد القانوني لوحدة الوطن والأمة، وكل مس بواحدة من هذه هو مس بالهوية الثقافية.
علاقة العولمة والهوية الثقافية:
قبل الدخول في شرح العلاقة بين العولمة والهوية الثقافة لا بد من سرد أهم خصائص كل منهما. إن أبرز خصوصية تنفرد بها العولمة كونها تسعى إلى خلق نظام عالمي موحد لا يقبل الخصوصيات ولا التميزات فهي مذهب واحد ونهائي على الصعيد العالمي بينما تتميز الهوية الثقافية بخصائص قد تكون في مجملها معاكسة لخصائص العولمة لكونها تذهب إلى التفرد والتعدد والاختلاف عكس العولمة التي تنادي إلى الوحدة ويمكن أن نرجع الهوية الثقافية إلى ثلاث نماذج من الهويات الثقافية: هوية فردية داخل القبيلة أو الطائفة أو الحزب تدافع عن الاستقلالية والتميز الفردي ثم هناك هوية جماعية تدافع عن الخصوصيات المكونة للجماعة، وأخيرا هناك هوية قومية أو وطنية تفتخر بعناصرها الحضرية والثقافية المميزة لها عن باقي الأمم والقوميات الأخرى، وانطلاقا من هذه الخصائص يمكن تحديد العلاقة بين العولمة والهوية الثقافية في التنافر والتصادم والصراع إذ تسعى العولمة إلي خلق وحدة ومنظومة متكاملة، في حين تدافع الهوية عن التنوع والتعدد. كما نجد العولمة تهدف إلى القضاء على الحدود والخصوصيات المختلفة بينما الهوية تسعى إلى الاعتراف بعالم الاختلافات وترفض الذوبان، وباختصار فالعولمة تبحث عن العام والشامل بينما الهوية هي انتقال من العام إلى الخاص ومن الشامل إلى المحدود.
بعض آليات ومظاهر عولمة الثقافة:
لعل أبرز ما يجسد تأثير العولمة على ثقافات المجتمعات الأخرى هو الانتشار الواسع والكبير لشركة "كوكا كولا" ولمطاعم "الهامبورغر" "والماكدونالدز" هذه الأخيرة التي تعتبر واحدة من أكبر المطاعم التجارية الأمريكية وهي رمز الإمبريالية الرأسمالية الأمريكية والتي ظهرت لأول مرة في ولاية كاليفورنيا سنة 1940 على يد الأخوين ديك وموريس لكن الانطلاق الحقيقي لهذه الشركة كان على يد روي كروك الذي اشترى المطاعم الصغيرة لماكدونالدز من الأخوين وسجل الشركة كعلامة تجارية صاعدة. ويعتبر عام 1955 هو الانطلاق الرسمي لهذه الشركة حيث بلغ عدد فروعها في الولايات المتحدة في أواسط ستينيات القرن 20 نحو 200 فرع ثم توسعت لاحقا إلى حوالي 500 فرع، وفي أواخر الستينيات بدأ الانتشار العالمي لهذه المطاعم بعد الحملة الإعلانية للترويج التي حملت شعار القرص الذهبي في إشارة إلى الهمبرغر وبعدها بدأت الشركة تخاطب عقول الأطفال عبر شخصية المهرج الضاحك رونالد ماكدونالدز الذي احتل المرتبة الثانية من حيث الشهرة، وتأتي الدول العربية في المرتبة الأولى من حيث الانتشار لاسيما في الفترة الأخيرة . وتشير التقارير الأخيرة إلى أن ماكدونالدز تستقطب في الوقت الحالي حوالي 50 مليون زبون يوميا في مطاعمها البالغ عددها أكثر من 30 ألفا في أكثر من 120 بلدا بالعالم، كما احتلت حسب أحدث التقارير الاقتصادية المرتبة الثانية والعشرين ضمن قائمة الشركات الخمسمائة الأقوى. فماكدونالدز تقدم وجبات سريعة لا تتيح للزبائن الجلوس لفترات طويلة بل تفرض عليهم الشراء والذهاب سريعا، ومن هنا انتقلت من كونها نظاما لبيع الطعام السريع إلى نمط حياة وذلك من خلال نظامها الذي قضى على العلاقات البشرية التي لم تعد بين الإنسان وأخيه بمفهوم التفاعل المباشر بل هي محكومة بقضايا مادية محسوبة مما تسبب في اختفاء الحميمية في العلاقات كما اختفت أي قيمة شخصية بفكرة المطاعم التي كان الناس يجلسون فيها ويتفاعلون، كما فرضت كذلك على عمالها عدم تكوين صداقات مع الزبائن وحتى فيما بينهم بفعل نظام الخدمة الذاتية. ويرى منتقدو ماكدونالدز أن هذه الشركة العملاقة تمارس أكبر عملية خداع في التاريخ المعاصر فهي تروج طوال الوقت أنها تقدم أكبر كمية طعام بأبخس الأسعار لكنها عمليا تبيع تلك المنتجات بأسعار مرتفعة قياسا لما تحصل عليه من سلع أولية غذائية رخيصة في الدول ثم تبيعها بأسعار مضاعفة بعد تصنيعها.
كما نجد كذلك وسائل الاتصال والإعلام ساهمت بشكل كبير في انتشار العولمة في المجال الثقافي وتتجلى هذه المساهمة في القنوات التلفزيونية والفضائية التي بواسطتها يتم بث أفلام ومسلسلات وموسيقى تمثل سلوكيات العنف والجنس بشكل إباحي يتناقض مع الحشمة والعفة في المجتمعات العربية المحافظة. وأيضا اللغات الأجنبية خاصة الفرنسية والإنجليزية ساهمت بدورها في نشر عولمة الثقافة حيث أصبحت هذه اللغات مهيمنة في التواصل اليومي بين فئات المجتمع في البيت والشارع والإدارات وغيرها، كما تزايدت محاولات نشر قيم الفردانية في العلاقات الأسرية، وطغيان ثقافة الاستهلاك الذي يتواصل في تنوعه و إغراءاته.
بعض ردود الفعل اتجاه عولمة الثقافة:
في العالم العربي تتشكل صورة تنوع فسيفسائي فهو يضم مجموعة من الثقافات و اللغات والأعراف المتعددة والمتنوعة غير أن ثمة قيم ومثل عليا تتوحد حولها هذه الأمم و الشعوب وتشكل بالنسبة لها إرثا مشتركا ينبغي حمايته والدفاع عنه، لقد أصبحت جهود البلدان اليوم تتجه نحو خلق تنمية مستدامة تضمن لجميع الشعوب حياة آمنة في جو من الأخوة والانسجام، وذلك من خلال استغلال توجيه التنوع الثقافي لصالح جهود التنمية ومحاربة الفقر و الأوبئة التي تجتاح مناطق عديدة من العالم. إن التنوع داخل المجتمع الواحد يمكن أن يستغل كحافز للتنمية والاستقرار إذا ما كرست الجهود الحكومية وغير الحكومية لذلك، وهو ما يمكن أن يحدث عن طريق خلق برنامج و أنشطة مهتمة بهذا المجال. العالم العربي والإسلامي أصبح ينظر إلى العولمة على أساس أنها أداة للهيمنة والغطرسة وسيطرة القوي على الضعيف وابتلاع السريع للبطيء. فليس الانكماش و الانطواء على الذات هو الوقاية من العولمة بل يمكن التعامل مع العولمة على أنها تطور هائل في التقنيات ووسائل المعرفة و أن التطور ليس موجه ضدنا بالضرورة و إنما هو لصالحنا إن نحن استخدمناه الاستخدام السليم الذي يمكننا من الحفاظ على هويتنا الثقافية في ظل تعاطي إيجابي مع العالم والمستجدات الدولية في هذا المجال.
خاتمة:
إن الدول النامية والتي تعتبر الدول العربية والإسلامية واحدة منها، لا يمكنها أن تمنع العولمة الثقافية من الانتشار، لأنها ظاهرة واقعية تفرض نفسها بحكم النفوذ السياسي والضغط الاقتصادي والتغلغل المعلوماتي والإعلامي التي يمارسها النظام العالمي الجديد، لكن تستطيع أن تتحكم في الآثار السلبية لهذه العولمة، إذ بذلت جهودا مضاعفة للخروج من مرحلة التخلف إلى مرحلة التقدم في المجالات كلها وليس فحسب في مجال واحد نظرا للترابط بين عناصر التنمية الشاملة ومكوناتها.
