الحمل والطفل

مدرسة الصنائع والفنون الوطنية بتطوان


التأسيس:



يرجع فضل التفكير في إنشاء مدرسة للصنائع التقليدية بتطوان إلى المرحوم الحاج عبد السلام بنونة عندما عرض الفكرة لأول مرة على المجمع العلمي الأدبي يوم 31 دجمبر 1916.

وجاء مشروعه يحمل بين فقراته اقتراح تنظيم معرض سنوي لبيع منتوجات مختلف المشاغل التي تنجزها يد الصناع من المعلمين والمتعلمين خلال كل موسم دراسي.
وبما أن الحاج المرحوم عبد السلام بنونة كان يتقلد منصب محتسب المدينة, فقد كان أقرب المسؤولين إلى أهل الحرف والصنائع بتطوان، يعرف جيدا حقيقة وضعية صناعاتهم، والصعوبات المختلفة التي كانت تعترض نشاطهم، والعوامل التي صارت تهدد حرفهم.
وفعلا تمت الموافقة على المشروع، وتم تخصيص ميزانية لإقامته سنة 1917. وفي يوم 30 غشت 1919 تم تدشين المدرسة في بناية بشارع الطرافين, مشتملة على خمسة أوراش أو مشاغل لصناعة الزرابي، النجارة، الزخرفة، الطرز على الثياب والجلد، والأسلحة. وكان بها ستون متعلما، وبعد مدة قصيرة تم نقل مقر المدرسة إلى بناية أخرى بشارع المصلى القديمة رقم 70.

وجاء تصميم المبنى محاكيا لنموذج قصر أندلسي فخم بحدائقه الغناء، وغرفه، وقاعاته البديعة الشكل، وأبوابه الجميلة الهندسة، وردهاته وسقوفه المنقوشة، وجدرانه المكسوة بالفسيفساء ذات الألوان البهية، التي تبهر العيون وتسحر القلوب وتجعل الزائر يشعر وكأنه حقا في قصر من قصور غرناطة الفاخرة.
وفي فاتح يونيو 1930 يعين برتوشي مديرا على المدرسة خلفا ل «José Gutierrez Lezcura»، ومن هذا التاريخ ستبدأ فترة تألق المدرسة وازدهارها وإشعاعها والتي ستدوم 25 عاما إلى وفاته سنة 1955 خاصة وأن برتوشي كان عاشقا لحاضرة تطوان بعمرانها وثقافتها، وتقاليدها وحرفها وفنونها المتعددة وبجمال طبيعة نواحيها. وظل الإقبال على المدرسة يزداد سنة بعد سنة, حتى وصل عدد التلاميذ في أواخر الأربعينات إلى أزيد من 300 متعلم. وعمل برتوشي على إحداث وإضافة معامل وأوراش لم يكن لها وجود بالمدرسة سابقا. ففي سنة 1932 أضيفت مشاغل النسيج والفضة والجلود المطروزة، وفي سنة 1934 أحدث مشغل للحدادة وآخر للجلود المطروزة بماء الذهب سنة 1935.
ونهج ماريانو بيرتوشي أسلوبا فريدا لتسيير المدرسة, فقد كانت علاقاته ومعاملاته للمعلمين والمتعلمين يطبعها طابع إنساني. كان ينصت للجميع باحثا عن حل كل معضلة تعلقت بسير التعليم أو التدريب أو التأطير، وكذا المتعلقة بمشاكل الطلبة الاجتماعية والشخصية.
كما اعتمد منهجية حديثة في التكوين، إذ كان ينظم رحلات دراسية موسمية إلى الديار الإسبانية، يرافقه فيها عدد من الصناع [المعلمين] وبعض المتعلمين المتفوقين من مختلف الأوراش، وذلك بهدف زيارة المراكز الفنية من متاحف ومعاهد ومنشآت عمرانية، ذات الطابع الأندلسي الإسلامي للاطلاع عليها والوقوف على خصائصها الفنية، ودراسة مميزاتها التركيبية رغبة في الاستفادة وتعميق المعارف. يقول»Fernando Valderrama Martinez» في كتابه «تاريخ العمل الثقافي لإسبانيا بالمغرب»: «في 9 يونيو سنة 1934 ورغبة في إدراك جمالية الفنون التي تزخر بها معاهد ومتاحف إسبانيا التقليدية, قام برتوشي بزيارة مدريد وطليطلة وقلعة Henares صحبة 10 من أساتذة المدرسة ومساعد وتسعة من الطلبة المتفوقين». ونظرا لعشقه الكبير لهذه الحرف الفنية، كان برتوشي شديد الحرص على رعايتها والحفاظ على أصالتها من خلال دعوته الدائمة إلى استمرارية صفائها ونقائها، وإلحاحه على تطهيرها من تأثيرات كل فن دخيل. لقد كان برتوشي يصد كل المبادرات الابتكارية والإبداعية التي لا تتلاءم مع طبيعة الفن التراثي الأصيل، انسجاما مع دعوته إلى أن تظل الحرف الفنية مغربية تطوانية أندلسية خالصة. وفي هذا الصدد يقول الفنان محمد بنعيسى: «...قدم برتوشي وقته لقضية الفن والمحافظة على التراث الثري، فبفضل رؤيته, تمكنت تطوان من المحافظة على انسجامها وكرامتها والبقاء على هامش المضاربات والإساءة للعمارة الموريسكية». كما يقول محمد الأشعري في نفس السياق متسائلا: «أليس هذا الغرناطي الأندلسي مغربيا بقدر ما؟ ليس لكونه قضى ربع قرن من حياته في المغرب, بل لأن سكان هذا البلد الذي أحبه كما أحبوه اعتبروه كذلك».
ـ النظام الدراسي بمدرسة الصنائع:
لم تكن مدرسة الصنائع بتطوان تحدد سنا معينا لولوجها، وإنما كانت تقبل الصغار والكبار، وأعطى قانونها الداخلي لأي متعلم اختيار الشعبة أو الحرفة التي يريد التخصص فيها، كما خول للتلاميذ, وهم يزاولون دراستهم منحة وإعانة مبلغها ما بين 10 و300 بسيطة شهريا (تحتسب منها أيام الغياب بدون مبرر). وكانت المدرسة خلال أيام الأسبوع تفتح أبوابها صباحا ومساء وليلا (دروس ليلية للكبار في الرسم والخط) باستثناء أيام الجمعة، وارتبطت العطل بالأعياد الدينية الإسلامية، أما عطلة الصيف, فلم تكن متوفرة للطلبة لكونها كانت مدرسة ومجمع أوراش في آن واحد.
وبظهير رابع رمضان عام 1361هـ الموافق ل 15 سبتمبر 1942 أعيد تنظيم التعليم الفني بمنطقة الشمال, حيث جعل هذا الظهير من مدرسة تطوان المركز الإداري العام لجميع المدارس الفنية المنتشرة بمنطقة الحماية.
وعند انتهاء مدة التعليم يحصل المتعلم على دبلوم أو شهادة تؤهله للحصول على عمل قار داخل المغرب أو خارجه (إسبانيا).
أما من حيث الأطر المكونة، فكان جلها من المغاربة المسلمين.
وفيما يخص الشعب والتخصصات، فقد توفرت درا الصنائع في فترة إشعاعها على مجموعة من المعامل الحرفية منها:
النجارة – الخشب المطعم – الزخرفة والتلوين – الزرابي – النسيج – الخزف والزليجالطرز على الثياب – الطرز على الجلود – الحدادة – تطعيم الفضةتذهيب الجلدالنحاسيات – الفنارات – صناعة القدور والمراجل والغلاياتالحايطي – الوسائدالأسلحة – الجبص المنقوش – الصياغة.... وغيرها. وكان يشرف على كل مشغل معلم أو معلمان أو حتى ثلاثة معلمين مع مساعديهم وتلاميذهم, كما هو الشأن في ورش تطعيم الفضة الذي جمع ثلاثة معلمين هم: محمد الشمشام, محمد بن حيدو عبد السلام والحاج محمد بن عبد السلام، وأيضا في ورش الزرابي الذي كان يشرف عليه كل من عبد الكريم مغارة, الزهرة بنت أحمد الغرباوي وفاطمة بنت عبد السلام أفزاز... (ولعل ورود أسماء نسوية ضمن هيئة المعلمين والأساتذة الذين عملوا بمدرسة الصنائع، يحيلنا على المساهمة المبكرة للمرأة التطوانية في بداية العمل التعليمي والتربوي خارج أسوار البيت العائلي, وهو موضوع يستحق دراسة خاصة لا مجال إلى الخوض فيه الآن).
 
Top