اللغة والسلطة
بالرغم من السلطة الكامنة في اللغة، يمكن القول بأن الإنسان
ليس عبدا للغة بشكل تام بل يمتلك قسطا من الحرية في ممارستها. فصحيح أن الإنسان مكره
وملزم بالخضوع لقواعد اللغة وبنيتها الداخلية، لكنه مع ذلك يعتبر واضع هذه اللغة ومبتكر
لقواعدها، كما أنه يملك قسطا من الحرية في أن يركب بين علاماتها ويبدع في إنتاج أفكار
لا متناهية من خلال استعماله للرموز اللسانية.
وإذا كان رولان بارت يتحدث عن سلطة داخلية للغة، توجد
في ذاتها، فهناك من الفلاسفة والعلماء من استبعدوا أن تكون للكلمات سلطة خاصة بها،
وربطوا سلطتها بالشخص الذي يتحدث بها أو بالمؤسسات والسياقات الاجتماعية التي يتم فيها
تداول الكلام وإلقاء الخطاب. ومن بين هؤلاء السوسيولوجي الفرنسي بيير بورديو.
- أطروحة بيير بورديو:
يوجه بورديو نقده للأطروحة الفلسفية التي تهمل مسألة استعمالات
اللغة وشروطها الاجتماعية أثناء تناول مسألة سلطتها. ويعتبر أن مثل هذه الأطروحة ذات
بعد سطحي وينعتها بالساذجة، وهو ما يعني أن بورديو يتبنى أطروحة تربط سلطة اللغة بالشخص
الذي يستعملها وبمكانته الاجتماعية.
انطلاقا من هنا يميز بورديو بين علم اللسان الذي يدرس اللغة
في ذاتها، ويربط سلطتها ببنيتها الداخلية، وبين علم الاستعمالات الاجتماعية للغة والذي
يربط سلطة اللغة بشروطها واستعمالاتها المختلفة داخل الحقل الاجتماعي. وينتهي بورديو
من خلال هذا التمييز إلى القول بأنه لا توجد سلطة أو قوة للكلمات في ذاتها، بل إن سلطتها
تستمدها من الشخص الذي فوض إليه أمر التحدث بها. فاللغة تستمد سلطتها حسب بورديو من
الخارج ومن المكانة الاجتماعية للمتكلم بها، كما ترتبط سلطة اللغة بالمؤسسات العلمية
والسياسية والاقتصادية التي تفوض لأشخاص بعينهم لكي يتحدثوا بلسانها، وهذا التفويض
المؤسساتي هو الذي يمنح لكلام هؤلاء الأشخاص تأثيرا وقوة وسلطة تتماشى مع مكانة تلك
المؤسسة في النسيج الاجتماعي.